مدونة سالمة عيد

أعشق أن أعبر عن نفسي بحرية

المسيح يصلب من جديد

أعظم رواية قرأتها في حياتي.

⚠️ تحتوي هذه المراجعة للرواية على حرق، إن لم تكن تريد حرق الأحداث. ضع التدوينة في علامة مراجعة لاحقة و عد إليها.

أجلس مستمتعة بالدفء في ليلة شتوية باردة، و أرتشف قهوتي مع قطعتي الشوكولا و أنا أتأمل الإضاءات  الخافتة من بيوت الأبنية المجاورة  مع هطول ثلجي كثيف لم ينقطع منذ أيام. 

أتناول قلمي و أخط بيدي بعض الكلمات على دفتر أثير عندي اعتدت أن أدون به خلاصة أفكاري و مشاعري، ثم ألمس باصابعي كتبي المفضلة في مكتبتي التي أسستها هنا في السويد منذ ست سنوات. أعتبر كتبي جزءآ مني وأرى مكتبتي مصدر فخر لي في وقت هجر فيه كثير من الناس القراءة، التي هي بالنسبة لي ملجأي و متنفسآ دائمآ لي.

تناولت بيدي روايتي المفضلة على مر العقود، قرأتها عدة مرات، و كانت أول مرة يوم كنت في العشرين من عمري.

مع انني خريجة أدب فرنسي و قرأت الكثير من الروايات باللغة الفرنسية إلا أن رواية “المسيح يصلب من جديد” للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكي هي على رأس قائمة الكتب الأكثر تأثيرآ علي. قرأتها منذ عقدين و نصف في شرفة بيت جدي بحي الروضة بدمشق، و تلك الشرفة كانت ولا تزال تطل على حديقة غناء من أجمل الحدائق التي وقعت عليها عيناي، و ترافقت قراءتي آنذاك مع احساسي المتدفق بالدهشة على أثر أحداث الرواية خاصة صراع الخير و الشر و تغلب الشر على الخير في بعض الأحيان لحكمة لا يعرفها إلا الله سبحانه.

طبعآ انا بعدها أعدت قراءة الرواية مرتين على فترتين زمنيتين مختلفتين، كان آخرها قبل سبعة أعوام لذلك سأذكر بعضآ من أحداث الرواية من ذاكرتي و حسب التأثير الذي تركته لدي على مدى الأعوام.

تبدأ الرواية في التحضير لعيد الفصح في قرية يونانية هادئة. و طقوس هذا العيد لديهم بإعادة تمثيل صلب السيد المسيح . و هنا تبدأ أصل الرواية فالأرملة كاترينا ستقوم بدور مريم المجدلية و عدد من أبناء القرية سيقومون بدور تلامذة المسيح أما المشكلة فكانت بإقناع بانايوتي بدور يهوذا الاسخريوطي الذي يشي بالمسيح لصالح الرومان، و أخيرآ الاختيار الصعب ، من سيمثل دور المسيح؟ ووقع الاختيار على راعي الأغنام مانولي لدور يسوع.

تتطور أحداث الرواية لنجد في النهاية أن كل شخص قام بتمثيل دوره قد كتب عليه أن يكون مخلصآ له، فمانولي الطيب البريء الصالح الذي قام بدور المسيح سينتهي به المطاف بتحميله كل مسؤولية خراب القرية و سيقتل على أيدي من مثلوا أدوار الشر.

هنا تظهر عبقرية الكاتب، فكم من أحداث متعددة متلاحقة تصل بنا إلى هذه الخاتمة المحزنة، لحظة انتصار الشر على الخير، و لا أنسى ما حييت صدمتي و انا في مقتبل العمر وحزني على مانولي، تلك الشخصية التي رافقتني في جميع أحداث الرواية، وكم انسجمت مع تآخي مانولي مع أصدقائه في القرية الذين كانوا يمثلون دور حواريي المسيح.

أرتشف قهوتي و أعود لتأمل السماء عبر نافذتي الواسعة و أسترجع ذكرياتي، ذكريات فتاة لطالما أرقها الصراع بين الخير و الشر و آلمها أن تنتهي روايتها المفضلة بهذه النهاية المفجعة. لكن أليست هذه الحياة، ألا نجد أن الأيام تفاجئنا كل يوم بنصر لمن لا يستحق و خذل لأناس ظلموا و لم يجدوا من يساندهم إلا حفنة من بعض البشر الضعفاء؟ إنها الحياة ، لا عدل فيها اليوم، أخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز بذلك في سورة غافر، الآيتان 16 و 17 لا ظلم اليوم ( أي يوم القيامة) ، نعم هنا في هذه الحياة الدنيا ممكن ان تموت مظلومآ لكن هناك في الحياة الآخرة الحق يعود لأصحابه .و هنا تستوقفني عبارات لبعض الملحدين الذين يجدون في فكرة الموت مظلومآ ذريعة للإلحاد فهم ما فتئوا يكررون على مسامعنا ” أين الله ؟ لماذا لا يوجد عدل بالدنيا؟ لماذا الظالم في بعض الأحيان ينتصر و يهزم المظلوم؟ أين العدل؟ و الجواب لدى كلمتين في الآيتين السابق ذكرهما من سورة غافر، الملك اليوم  ، لا ظلم اليوم …..أتأمل هاتين الآيتين كلما قرأت القرآن و في كل ختمة جديدة. هذه بعض من تأملاتي لدى قراءتي المسيح يصلب من جديد.

أتمنى أن تقرؤوا هذه الرواية و تتأملوا النفاق الديني والاجتماعي فيها خاصة في الحدث الذي أعتبره عقدة الرواية و هي عندما يأتي اليونانيون اللاجئون المساكين من قرية مجاورة ليحتموا بهذه القرية من الظلم الذي آل عليهم فيفاجئون بالقسيس الذي يقنع أهل القرية بأنهم دخلاء  فقراء يريدون الفتك بأهل القرية . و هنا يجسد الكاتب أعلى مستويات و علامات التضاد بين سلوك قسيس القرية و قسيس اللاجئين من القرية الأخرى و نلمس بأنفسنا الفرق بين التدين الحقيقي و النفاق الديني و الاجتماعي.

دقت الساعة منتصف الليل هنا في مدينتي الجميلة نورشوبينغ ، زوجي وولدي الحبيبين قد ناموا ، و أنا أكتب أول مقال في مدونتي الشخصية الجديدة ، و السعادة تحدوني اني وجدت طريقي اخيرآ للتعبير عن شغف لطالما أقض مضجعي لأنني لم أستطع التعبير عنه بهذه الصورة من قبل. كنت أثناء كتابتي أتأمل روايتي و أفكر كم من السنين مرت و مشاعري نحوها لم تتغير. أعيد روايتي لمكانها بين كتبي في مكتبتي البيضاء الأنيقة. 

ختاما أود أن ألفت انتباه القراء الأعزاء أن الرواية ليست دينية و أن المسيح في ديننا الإسلامي الحنيف لم يقتل ولم يصلب و إنما شبه لهم، هذه هي الحقائق التي نحن مؤمنون بها ، أما إعجابي بالرواية فلأنها رحلة الانسان، الانسان المثالي البريء الطاهر الذي ينتهي محاصرآ من الشر، في مجتمع مادي منافق لا يرحم.

يذكرني مانولي بنفسي في شبابي ، كنت مثالية جدآ و بريئة للغاية و صدمت بشر مستطير في هذا المجتمع الغادر إلا من رحم ربي ، و لكني بحمد الله نجوت بأعجوبة ، طبعآ الله نجاني.


Comments

ردان على “المسيح يصلب من جديد”

  1. MsJOjuph Wqa aUX UtQ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *