البداية
رحلتي الى النجاح بدأت عندما تركتُ دمشق باتجاه بيروت. لم أذرف دمعة، بل كنتُ في منتهى السعادة أني سأترك مدينة لطالما آلمتني.
صباحآ عندما وصلت شتورا مع عائلتي بتاريخ 20 يوليو 2012 ، قامت ابنتي تقى بتصويري صورة فوتوغرافية في المطعم الشهير بشطائر اللبن المصفّى و مناقيش الزعتر، كانت صورة غير عادية، كانت عينايَ تلمعُ بطريقة غريبة، نظرتي كانت تنمُّ عن تعبير نصر ، نصر بعد معاناة، معاناة سنين طويلة قضيتها مع مجتمع لا يفهمني و لا أفهمه.
لماذا؟
نعم مجتمعي لم يكن يفهمني ولا يتفهمني، كان مكتوباً علي منذ طفولتي أن أكون مختلفة، مميزة، موهوبة، كنت أحب القراءة منذ عمر الست سنوات و الرسم أيضاً، بينما كان الآخرون من خارج بيتي يتمنون رؤية صبية تهتم بالبيت و عمل البيت و الطبخ و النفخ.
بعد تخرجي من الجامعة أدب فرنسي ،عملت مدرّسة لغة فرنسية في مكان أكرهه، لا أحببت المدرسة و لا الادارة، أحببت بعضآ من طلابي و زميلاتي.
بقيت أعمل في مدرسة أكرهها بناءآ على رغبة والدي لمدة ثلاث عشرة عامآ، مرت السنوات بِهَمّ و غَمّ عدا فترة زواجي و إنجابي لولديَّ الحبيبين تقى و عمر.
نقطة التحول
بقيت صابرة و صامدة سنوات طويلة ثم وقع في يدي الكتاب المعجزة، كتاب السعادة، كتاب لم و لن أنساه، غيَّر حياتي، قرأته بكل كياني، كان قلبي يدق من تأثير كلماته، أحسستُ بالحياة، أحسستُ بمشاعر غريبة علي، أحسست كم قصَّرت بحق نفسي في الأنصياع لحياة لم أخترها و لمصيرٍٍ كُتِبَ عليَّ من قبل اهلي الذين لا يعرفون عني شيئآ.
بدأ مفعول السحر مع أوّل فصول الكتاب، ثم تعمّق السحر في نفس المكان الذي سبّب لي التعاسة، المدرسة المشؤومة، كنت في اثناء فراغي أجلس على الطاولة في غرفة المدرسين و أكتب كتاب السعادة كاملاً من أوّله لآخره و سبحان الله لم أصل بعد لكتابة خاتمته عندما لمعت الفكرة في ذهني و أخذت القرار، قرار الاستقالة، قرار التحرّر من الظلم، و كانت احسن خطوة اتّخذتها في حياتي بعد قرار زواجي.
بعد الاستقالة شعرت بشعور لطالما اشتهيته، لطالما تمنيته، نعم هو ما تفكرون به، شعور الحرية كان ذلك في سبتمبر 2010.
بعد الاستقالة بسنة بدأت بوادر الحرب السورية، ووقتها أدركت شيئاً غريباً، السجن لم يكن فقط تلك المدرسة لكن كان المدينة بأكملها.
القرار
قررت الخروج من دمشق بسبب الحرب، هذا السبب الظاهر، لكن السبب الحقيقي أنني كنت أريد لولديَّ حياة مختلفة عن تلك التي عشتها، قررتُ أن أقدّم لولديّ ما لم يستطع او لم يرد والدي أن يقدمه لي.
و كان الخروج، و كنت انا، سالمة السعيدة، كما لم أكن من قبل.
بيروت المحطة الأولى و احلى ايام ، ثم قضينا في بلدة بمحمدون شهراً و كان من اجمل ايام حياتي لان امّي رحمها الله نوّرتني و قضت عندي اسبوعاً كاملاً و كم ندمتْ فيما بعد لأنها لم تسمع مني و تقضي معي وقتاً أطول.
ثم قضينا في زحلة، شهرين كاملين، كانا الاجمل، مع غرفة جميلة و حديقة غناء و لقاء مع الجيران و تواصل مع أهل زحلة الطيبين.
بعدها فاجأني زوجي الذي لم يقضِ معنا الثلاث أشهر في لبنان، بل قضاها في دمشق فاجأني أنّهُ أصبح في مصر، و بدأت رحلة جميلة وممتعة الى مصر ام الدنيا، و احلى خمس سنوات وسبعة أشهر في مصر 6 اكتوبر.
هنا لدي كلمة صغيرة عن مشاعري الخاصة في حياتي ،
كنت دائماً في جميع مراحل زواجي أخاف من المستقبل، من المجهول، كنت أريد بشدة تأمين مستقبل ولديّ الصغيرين، كنت اشعر ان واجبي نحوهما يتعدى حدود الأم التي تطعمُ وتهتم، كنت أفكر في مستقبلهما بل كان هذا هاجسي.
الرحلة
ووقتها في مصر بأول سنة 2015، جمعني الله بصديقة أخبرتني عن سفر زوجها عن طريق البحر للسويد، طبعآ انا كنت ولا أزال أخاف على عائلتي كثيراً، لكن سبحان الله، وضع الله في طريقي انسانة متفائلة جدآ، بل زيادة عن اللزوم لتقنعني، مثلآ القارب الذي يسافر به المهاجرون أصبح عندها يختاً مضموناً و مأموناً و هنا دخلت الفكرة برأسي وكل كياني.
زوجي سامي رفض الفكرة فوراً، قال لي لن ألقي بنفسي في التهلكة، أخبرته ان السفر بيخت و أريتهُ الصور، بقي رافضآ فقلت له بإصرار :” إذآ انا ساسافر”، و فعلآ رغم خوفي الشديد كان طموحي اكبر، احلامي ، امنياتي، كلها مَثلُتْ أمام ناظريَّ بقوة، كنت مصرة ان اسافر لوحدي وقتها وقفت تقى ابنتي أمامي و قالت لي:” سافري ماما انا معك”
مرت عدة شهور و اقتنع زوجي ان السفر بالبحر يحتاج لرجال، و وافق على الفكرة، و سبحان الله تيسَّرت الأمور و سافر بالبحر. اليخت لم يكن يختاً بل قارباً يؤوي عدداً كبيراً من السوريين الذين أقصى طموحهم أن يقيموا في أوروبا.
بقي سامي في البحر ستة أيام كاملة من ميناء الإسكندرية إلى سواحل إيطاليا.
لا انسى ذلك اليوم من رمضان، بشهر يوليو 2015، كنا في مطعم لفندق جميل انا و اخي الحبيب و ولديّ الحبيبين، كنا أنهينا فطورنا و نرتشف قهوة ما بعد الإفطار، وصلني هاتف من صاحب مكتب السفر يبشّرني فيه ان سامي أصبح على متن البارجة النرويجية، فصرخت فرحة، طلب مني اخي الهدوء، كنت سعيدة، سعيدة جدآ، كانت صديقتي قد أخبرتني انَّ زوجي و رفاقه اذا انقذتهم البارجة الاوروبية فمعنى ذلك انهم سيصلون الى إيطاليا بالسلامة.
فعلآ اتصل ابني عمر الذي لم يتجاوز السبعة سنوات وقتها اتصل بأبيه في اليوم التالي لعلّ وعسى ان يردّ و فعلآ رد عليه وقال له :” بابا انا صرت بايطاليا” و بدأت صيحات الفرح تتعالى في بيتنا حتى وصلت للجيران، كنت طوال الأيام الستة ألوم نفسي عن أنني شجعته على السفر برحلة خطرة كتلك و اقول لنفسي لو أصابه مكروه لن يسامحني الأولاد، خاصة عمر الذي كانت روحه معلقة بأبيه.
وصل سامي إيطاليا، وقضى ليلته هناك في فندق صغير، و بدأ رحلة خطرة أخرى بالقطار و اقول خطرة لأن الشرطة كانت تقبض على المسافرين بطريقة لا شرعية لكن بذكائه ونباهته استطاع أن يسافر في القطار عبر عدة دول أوروبية دون مشاكل.
الحلم
بعدها بعدة ايام مرت بالترقّب و الانتظار، كنت في غرفتي، اتَّصل سامي، كان الوقت عصرآ، أنساب صوته الى مسامعي كأجمل ما يكون من انغام، قال لي :” سالي، انا صرت بمالمو” لم استوعب كلمة مالمو فأتبعها بالكلمة الموعودة السحرية “صرت بالسويد”، و كانت فرحتي العارمة التي لن أنساها ما حييت.
رحلة طويلة من دمشق للبنان لمصر ثم دبي ثم مصر مرة أخرى ثم السويد. بعد سنتين و سبعة اشهر قضيتها مع ولديَّ الحبيبين لوحدنا في مصر، تم لم الشمل و حصلنا على الإقامة انا وولديّ، و اخيرا بتاريخ 27 يناير2018 وصلنا انا وولديّ إلى الأراضي السويدية.
بدأ الحلم بفكرة، انا أؤمن ان السويد بدأت بقرار الإستقالة ، فلولا رغبتي و اصراري أن أترك مكاناً لا يلامس قلبي و عملآ لا يعانق شغفي ، لما كنت صرت في السويد، ايضاً لا انسى الشقّ الآخر من الأمر و هو الشقّ المادي و هو مهم جداً، فلولا أموال تأميناتي بعد استقالتي من عملي و مبالغ قد ادّخرتها معي منذ مدة لولاها لما استطعت السفر لبيروت لان اهلي وزوجي لم يدعمونني لا مادّيا و لا معنويا انا بقيت لوحدي مع ولدي في لبنان في بلد غريب لمدة ثلاثة أشهر اصرف من تأميناتي في بلد شديد الغلاء.
طبعا الحمد لله زوجي و أهلي دعموني في مصر لكن حتى في مصر قضيت اول سنة و شهرين وحيدة تماماً مع ولديّ في بيت غريب و بلد غريب و أهلي و زوجي بعيدين عني.
كافحت وصبرت ثم حققت حلم الطفولة، أوروبا كانت حلمي الأزلي.
اترك تعليقاً